الحب عند نزار قباني
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الحب عند نزار قباني
الحب عند نزار قباني
ليس علاقة رجل وامرأة، وانما حالة إنسانية وطنية وجودية معا.
يقول نزار "الحب عندى مملكة لا تتجزأ، يمتد جذورها من
تخوم المرأة إلى تخوم الوطن، حب الوطن هو وطنية، وحب المرأة أرقى أنواع
الوطنية والذين لا يحبون المرأة لا يحبون الوطن ولا يحبون شعوبهم ولا يحبون
الناس ولا يحبون الله."
ويقول "إن عشقى للمرأة هو أحد وجوه عشقى الكبير للوطن العربى
فالمرأة هي وطن الرجل."
ويقول "اكتب عن المرأة وعن القضية
العربية بحبر واحد، وأقاتل من أجل تحرير المرأة من رسوبيات العصر
الجاهلي، كما أقاتل من أجل تحرير الأرض العربية من حوافر الخيول الصهيونية."
ويقول:
يقول عني الأغبياء
إني دخلت إلى مقاصير النساء وما خرجت
ويطالبون بنصب مشنقتي
لأنى عن شئون حبيبتي شعرا كتبت
أنا لم أتاجر مثل غيري بالحشيش
ولا سرقت، ولا قتلت
لكنني أحببت في وضح النهار
فهل تراني قد كفرت؟
ويقول:
أنا مع الحب حتى حين يقتلني
إذا تخليت عن عشقي فلست أنا
إذن فالحب ليس نزوة ولا متعة ولا
إشباعا، وإنما هو فلسفة في وحدة الوجود وتعميق للحياة وتحقيق للذات وتعبير
عن الحرية.
وللشاعر نزار قباني في حبيبته مطالب صغيرة. ثلاثة
مطالب فقط:
أولها: أن تشبهه، فتحب ما يحب،
وأن تتجانس أفكارهما وأرواحهما.
وثانيها: أن تكون أمه وتعامله
كطفل.
وثالثها:أن تعتبر فنه ومجده فنها
ومجدها، فلا تشعر بالغيرة من أشعارة ومن علاقاته الاجتماعية، وأن تخلق له
المناخ النفسي الذي يعمل فيه دون أن تجد تناقضا بين حبه لفنه وحبه لها.
وكما ترون هي مطالب معقولة وبسيطة. لو أن كل المبدعين
عاشوها لانتصروا على مصاعب الحياة.
ومن مبادىء نزار في الحب أنه لا يهوى ولا يقع ولا
يتوحد إلا في امرأة عربية، تفهمه ويفهمها، فهو يرى أن زوج الأجنبية يظل
طوال عمره يشغل وظيفة ترجمان عندها، وهو يحب المرأة التي يشم فيها روائح
الفل والياسمين والنعناع والزعتر كما تعود في دمشق.
يقول نزار "أنا
بهذا المعنى عربي جدا، ولذلك كان حبي مرة دمشقيا ومرة بيروتيا ومرة
بغداديا، لأنني أريد أن أبقى هنا واكتب شعرا هنا وأعشق وأموت هنا."
وأثبتت الأيام صدق نزار في موقفه، فقد
عمل دبلومسيا في مصر، وفي أنقرة، وفي لندن، وفي بكين، وفي مدريد. ولم
تسكنه امرأة من هذه البلدان الرائعة على روعه نسائها.
ونزار ليس من هواة العلاقات مع النساء
لكنه من عشاق العشق، والحب لا يأتي اعتباطا، فالحب مثل الشعر يأتي بلا
حسبان ويخضع لأوامر الشيطان، الحب لا يأتى بالتخطيط والتدبير، وإنما هو
مثل الموت فلا تدرى نفس في أي أرض تموت، ويلحقنا ولو كنا فى أبراج مشيدة،
ولذا فقليلا ما ذاب نزار وجدا وانكوى عمدا.
يقول نزار "دعونى أعترف لكم، أنني
بالرغم من سمعتي كشاعر حب فإنني نادرا ما وقعت في الحب، خمس مرات ربما في
ثلاثين سنة."
وإذا ربطنا مقاله
هذا بما قاله قبلا نستنتج أنه ربما يقصد بالحب الدمشقي زوجته الأولى زهرة
أقبيق ابنة عمه، وبالبيروتى الأديبة كوليت خوري التي أصدرت كتاب "أيام
معه" عنهما، وبالبغدادي قصة حبه الكبرى مع زوجته الثانية بلقيس الراوي.
التقى نزار
بلقيس في بيروت، وهو يحث الخطى نحو
الخمسين عاما، وبعد سنوات من طلاقه لزوجته زهرة، ولم تكن على طريقه في
الحب، فهي (خميرة عكننة)
تسأل عمن كتب لهن أشعاره ولماذا، وعن هواتفه ورسائله ولقاءاته وتغار من
الشعر ومن الشهرة ومن الناس، حتى حولت هدوءه إلى ضجيج ونسيمه إلى عواصف.
ولم يطق نزار
الحال ففعل كما يفعل العقلاء القائلين (الباب
الذي يأتي منه الريح، سده واستريح) و(الوحدة
خير من جليس السوء). وإذا لم يحقق الزواج
السعادة المشتركة فالعودة إلى حالة السعادة في الوحدة هي حل مناسب. فطلقها
نزار رغم الولد والبنت (هدباء
وتوفيق)، الزهرتان النابعتان من زهرة.
حدث هذا في أواسط ستينيات القرن العشرين،
وعاش نزار سعيدا بحبه للناس والشعر والحياة، حتى التقى بحبيبة العمر
القصير الجميل، بلقيس الراوي.
فاتنة من العراق، تسكن أسرتها في حي
الأعظيمه ببغداد، وتسكن هي قلب نزار وقلب بيروت في السفارة العراقية، سقط
نزار في عينيها السوداوين وشعرها الطويل وروحها الآخذة وشخصيتها الآسرة.
وسقطت هي الأخرى، وطاف بخيال نزار جمال أخته وصال التي قتلت نفسها
لإجبارها على الزواج بمن لا تحب، انتصرت للحب وتمسكت به حتى الموت، كان
نزار في الثامنة من عمره يمشي في جنازتها متأبطا ملاك الحب الذي حرض وصال
على التمسك بإرادتها وحريتها، وطاف بخيال نزار أقاربه الذين سقطوا في الحب
وسبحوا في العيون بدءًا من عم والده المسرحي الشهير أبو خليل القباني.
كتب لها:
فضعي يديك كنجمتين على يدي
فأنا أحبك كي أدافع عن وجودي
وأنا أحبك في وجوه القادمين
لقتل هارون الرشيد
هل تصبحين شريكة في قتل هارون الرشيد.
وتعاهدا على الزواج حتى الموت.
سافر نزار إلى بغداد واستقل مركبة فضاء
إلى حي الأعظيمة وطرق باب عم الراوي الذى وهب نزار بقية حياته. واعتذر
الرجل لسببين:الأول: أنه لا يوافق على زواج ابنته من أجنبى رغم العروبة.
والثاني: أنه لا يوافق على نزار بالذات
لأنه شاعر الغزل والغرام والتشجيع على الهيام.
ولم تصلح شهرة نزار ولا مركزه الدبلوماسي
السابق ولا قلبه الذي تربعت فيه ابنة الرجل العراقي، ولا قلبها الذي احتله
الشاعر السوري.
لم يشفع كل هذا في ترقيق قلب الراوي، ولا
تفتيح عقله الذي لم يدله على قوة الحب وجبروته حين يجمع بين البشر فلا لغة
ولا دين ولا جنسية ولا عرق تعوقه، إنها الثقافة التي تصب الحياة الرحبة
في قالب صلب.
عاد نزار يمضغ المر ويشرب الحنظل .. يبكى .. يصرخ .. وتبكي
معه حبيبة الفؤاد. ولم يستسلما. تعاهدا وانتظرا الوقت. حتى جاءت فرصة
ذهبية بل قل ماسية، حين دعي نزار إلى بغداد ليشارك في مهرجان الشعر العربي
التاسع في أبريل/نيسان 1969.
واختلى بنفسه ليكتب قصيدته في هذا
المهرجان.
فأعاد الهجوم على الحكام العرب والضعف
العربي ومدح الفدائيين والبندقية وحدد واجبات الشعر والشعراء وتحدث عن
الحرية والحب. ولأنه رجل جرىء واضح ومباشر فلماذا لا يعرض مشكلته الشخصية
على الملأ في قصيدته "إفادة في محكمة الشعر".
وألقى نزار قصيدة طويلة في مائة بيت وبيتين، وعرض
المشكلة:
كان عندي هنا أميرة حب ** ثم ضاعت أميرتي الحسناءُ
أين وجه في الأعظمية حلو ** لو رأته تغار منه السماءُ
إنني السندباد مزقه البحر ** وعينا حبيبتي الميناءُ
إن في داخلي عصور من الحزن ** فهل لي إلى العراق
التجاءُ
وأنا العاشق الكبير ولكن ** ليس تكفي دفاتري الزرقاءُ
ها هو يلجأ إلى العراق، كاللجوء السياسى
الذى يضمن الحياة بكرامة لطالبها، واستمع رئيس الجمهورية العراقية أحمد
حسن البكر إلى القصيدة وتحرك فيه الإنسان المثقف الشاعر فقبل طلب اللجوء
الغرامي الذي تقدم به نزار السوري لابنة بلده العراقية.
ويشكل الرئيس وفدا لخطبة بلقيس ونزار
تكونت من: الشاعر شفيق الكيالى وزير الشباب، والشاعر شاذل طاقه وكيل وزارة
الخارجية، ورعاية أحمد حسن البكر الرئيس الطيب.
هذا الوفد تسميه التقاليد القبلية
(الجاهة) أي وجهاء القوم، إذا طلبوا لا يرد لهم طلب وإلا أصبح الرافض خصما
للقبائل، والعرب عادة يحترمون طلبات الالتجاء فيدخلون في حمايتهم طالب
الحماية حتى لو كان قاتلا، ويقولون في لهجتهـم "دخيلك" أي داخل في عرضك.
وطبعا لم يرد الراوي طلب الدولة الأول في
تاريخ البشرية.
فوافق الرواي وانتصر الحب وانتصرت
الشجاعة، شجاعة نزار وشجاعة رئيس جمهورية العراق.
قالت بلقيس: مادمنا نعيش غرباء في
بيروت فلماذا لا نستقر في بغداد؟
رد نزار: أنا لا أستطيع أن أعيش
إلا في بيروت.
وطال الاستعداد للزواج لأسباب عديدة منها وفاة توفيق
ابن نزار في لندن عام 1972، وهو طالب الطب في دمشق، مات شابا طموحا حالما
آملا، وكانت هذه هي الصدمة الثانية للشاعر الرقيق بعد صدمته الأولى في صباه
برحيل شقيقته وصال.
حزنت معه بلقيس واحترمت آلامه وساعدته في اجتيازها،
وتزوجا فى بيروت عام 1973 قبل حرب التحرير المصرية. وعاشا حبا حقيقيا
كاملا تم فيه المراد من رب العباد، فالحب بلا زواج كالمال في الأدراج أو
كالبلية تتم في سرية. وعاشا في تبات ونبات وانجبا الأولاد والبنات. زينب
وعمر، وغنى نزار للحب والوطن، وأصدر الدواوين التالية:
أحبك احبك والبقية تأتي
كل عام وأنت حببيتي
أشهد ألا امرأة إلا أنت
مواويل دمشقية إلى قمر بغداد
قاموس العاشقين
إلى بيروت الأنثى مع حبي
ثماني سنوات فقط. ثماني سنوات يا ربي. سنوات قليقة
عميقة عريضة. ثماني سنوات يقضيها طالب خائب في السنة النهائية في الثانوية
العامة.
ثماني سنوات عسلا، شهدا، أزهارا وثمارا، صنعها أربعة من
البشر، بلقيس ونزار وزينب وعمر.
كانت لبنان قد انفجرت بالغباء عام 1980 كما انفجرت
العراق بالغباء نفسه ضد إيران الجيران. في لبنان انفجروا في بعضهم وأنفسهم.
القتل على الهوية. هذا سني وهذا ماروني وهذا شيعي. هذا من الكتائب وهذا
من الخرائب، حتى هدموا السلام والجمال. كانت لبنان واحة الجمال والسلام في
هجير العرب، طبيعتها جميلة وناسها أجمل.
في هذا الغباء انفجرت السفارة العراقية في بيروت، صارت
ركاما من الحجر والبشر، جرى نزار إلى الحطام ليأخذ بلقيس التي كانت تؤدي
واجبها لصالح لبنان والعراق. جرى ليأخذها في يده، وفي حضنه خارج الدمار
والغباء. وقف نزار أربعه أيام كاملة على قدميه فى انتظار بلقيس. لا طعام،
لا نفس، والباحثون في الحكام والركام يبحثون، أربعة قرون في أربعة أيام.
بعدها أخرجوا جسمانا مشوها متعفنا في عظمة سبابته اليسرى خاتم زواج منقوش
عليه اسم نزار.
لا حديث ولا وصف لما جرى، فقد انكوى قلبي وجف لساني.
فلا حب ولا سلام يعيش في أمان في هذه البلدان وفي هذه الايام.
قسما بعينيك اللتين إليهما
تأوي ملايين الكواكب
سأقول يا قمري عن العرب العجائب
هل تعرفون حببيتى بلقيس
فهي أهم ما كتبوه في كتب الغرام
كانت مزيجا رائعا بين القطيفة والرخام
***
بلقيس يا بلقيس يا بلقيس
كل غمامة تبكي عليك
فمن ترى يبكي عليا
بلقيس كيف رحلت صامتة
ولم تضعي يديك على يديا
بلقيس كيف تركتنا في الريح
نرجف مثل أوراق الشجر
وتركتنا نحن الثلاثة ضائعين
كريشة تحت المطر
أتراك ما فكرت بي
وأنا الذي يحتاج حبك مثل زينب أو عمر
بلقيس يا معشوقتي حتى الثمالة
الأنبياء الكاذبون يقرفصون ويركبون على الشعوب ولا
رسالة
لو أنهم حملوا إلينا من فلسطين الحزينة نجمة أو
برتقالة
لو أنهم حملوا إلينا من شواطىء غزة حجرا صغيرا أو
محارة
لو أنهم من ربع قرن حرروا زيتونة أو ارجعوا ليمونة
ومحو عن التاريخ عاره
لشكرت من قتلوك يا بلقيس يا معبودتي حتى الثمالة
لكنهم تركوا فسلطينا ليغتالوا غزالة.
هذا تلخيص لأكبر قصيدة كتبها نزار في الحب وفي
الهجاء. في حوالي ألفي كلمة، بعد دفنها مباشرة يوم 15 ديسمبر/كانون الأول
1981 ونشرها في مايو/آيار 1982 في كتاب كامل مع البوم لها يضم ستا وعشرين
صورة.
وكتب في قصته مع الشعر:
وهويتي وأقلامي. بعد رحيلها أقمت بابا من الحديد في بيتي يسبقه بمتر ونصف،
أغلقه علي وعلى اولادى من السابعة مساء، أصبحت أنام بعيون مفتوحة بعد أن
خاصمت الطمأنينة، أرادوا أن يخفوا صورها من البيت فصرخت فيهم: أريد أن
تبقى بلقيس معى حتى لو غابت."
وقال "كانت
جزءا من عمري ومن عيش مشترك وكانت صديقة شعري قبل أن تكون صديقتي ولم تكن
تعتبر قصيدتي ضرة لها، بل جزءا من مجدها."
ما طار طير عندنا إلا انذبح
ولا نبي إلا بأيدينا أنذبح
ولا أتانا مصلح أو مبدع
أو كاتب أو شاعر
إلا على وسادة الشعر انذبح.
رد: الحب عند نزار قباني
الله
راائع
وابداع لا مثيل له اخي فعلا
الحب الذي ينتهي بالفرراق هو الحب الخالد بنظري
والعكس صحيح
الف شكر لك وتقبل مروري المتواضع
راائع
وابداع لا مثيل له اخي فعلا
الحب الذي ينتهي بالفرراق هو الحب الخالد بنظري
والعكس صحيح
الف شكر لك وتقبل مروري المتواضع
ToNa2011- ( >> إدارة المنتدى << )
-
تاريخ التسجيل : 09/11/2007
البلد : فلسطين
عدد المشاركات : 423
نقاط العضو : 248
السٌّمعَة : 14
تقييمــ العضو :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى